JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أنطاليا: ما وراء أسوار المنتجعات... رحلة إلى قلب المدينة

أنطاليا: ما وراء أسوار المنتجعات... رحلة إلى قلب المدينة

"مدينة واحدة، وجهان مختلفان تمامًا - أيهما ستختار؟"

تخيل أنك تقف أمام مرآة سحرية تعكس صورتين مختلفتين لنفس المكان. الأولى: شواطئ ذهبية، منتجعات فاخرة، وخدمة "الكل شامل" التي لا تنتهي. والثانية: أزقة حجرية عتيقة، مساجد عثمانية، وعائلات تركية تدعوك لتناول الشاي في بيوتها البسيطة. هذا بالضبط ما واجهته عندما وصلت إلى أنطاليا لأول مرة.

نصيحتي قبل السفر كانت أن أكتفي بالمنتجع، فكل شيء موجود هناك. لكن فضولي كان أقوى، وقررت أن أبحث عن وجه المدينة الآخر. كانت هذه أفضل "مخالفة" ارتكبتها في حياتي!

الصباح الأول: كسر القواعد السياحية

وصلت إلى مطار أنطاليا في ساعة مبكرة من صباح مايو، والهواء العليل محمّل برائحة البحر وأزهار البرتقال المتفتحة. السائق الذي كان ينتظرني بدأ يسرد لي مميزات المنتجع، لكنني فاجأته بطلب غريب: "هل يمكنك أن توصلني إلى وسط المدينة بدلًا من المنتجع؟" نظر إليّ بدهشة ثم ابتسم وقال: "أنت مختلف، وهذا جيد!"

وهكذا بدأت مغامرتي الحقيقية. سرت في شارع كونيالتي الحيوي، حيث المقاهي التركية الأصيلة والمحلات التي تفوح منها رائحة التوابل والقهوة المحمصة حديثًا. أجمل أوقات المشي في كونيالتي هي بين الساعة 7-9 صباحًا، عندما يبدأ السكان المحليون يومهم بعيدًا عن زحام السياح.

توقفت أمام مقهى صغير لا يحمل اسمًا بالإنجليزية. هنا التقيت بمحمد، صاحب المقهى، رجل في الخمسينات بابتسامة لا تفارق وجهه. "أهلًا وسهلًا!" قال لي بالعربية، ثم أضاف جملة لن أنساها أبدًا: "أنطاليا مثل امرأة جميلة ترتدي فستانين، واحد للضيوف، وآخر لأهلها. أيهما تريد أن ترى؟"


كاليتشي: رحلة عبر أنفاق الزمن




"إذا أردت أن تسمع قلب أنطاليا ينبض، فعليك بكاليتشي" - هكذا نصحني محمد.

في صباح اليوم التالي، عبرت بوابة هادريان الرومانية الشهيرة، وكأنني أعبر بوابة زمنية حقيقية. في لحظة كنت في المدينة الحديثة، وفي اللحظة التالية دخلت إلى كاليتشي، حيث الصمت المقدس، والشوارع الحجرية التي تحتضن أسرارًا عمرها ألف عام.

جلست في مقهى صغير يطل على فناء عثماني جميل تظلله شجرة ليمون عتيقة. بجانبي جلس عم عثمان، رجل في السبعينات عاش في هذا الحي طوال حياته. "شفت كيف الجدران بتحكي؟" قال بعربية مكسرة تعلمها من السياح العرب. "أنا صغير كنت ألعب في هاي الأزقة. المباني ما تغيرت، بس القصص بتزيد كل يوم."

أجمل الصور في كاليتشي تُلتقط عند الغروب، عندما تنعكس أضواء الفوانيس العثمانية على الحجارة الملساء، مانحة المكان سحرًا لا يُنسى.


الطبيعة بعيدًا عن البطاقات البريدية

في صباح يوم آخر، قابلت مرشدًا محليًا اسمه أحمد، وهو من عشاق الطبيعة والتصوير. اقترح علي رحلة فريدة: رؤية أنطاليا من زاوية مختلفة تمامًا.

التليفريك إلى تونكتيبي: أنطاليا من زاوية الطيور

"بدك تفهم أنطاليا؟ لازم تشوفها من فوق!" - بهذه الكلمات بدأ أحمد يومنا. صعدنا إلى محطة التليفريك، ومع كل متر نرتفعه، كانت المدينة تكشف أسرارها: المنتجعات الكبيرة بدت كمكعبات ليغو صغيرة، والبحر امتد حتى يلامس السماء، وجبال طوروس احتضنت المدينة كأم تحمي طفلها. في قمة الجبل، على ارتفاع 618 مترًا، احتسيت الشاي التركي الشهير بينما كانت المدينة تستيقظ تحت قدمي. أفضل وقت للتصوير من التليفريك هو قبل الغروب بساعة، عندما تكون الإضاءة ذهبية والسماء صافية.




شلالات دودان: عندما يرقص الماء مع البحر

بعد النزول من التليفريك، أخذني أحمد في مغامرة فريدة. استأجرنا قارب صيد صغير من أحد الصيادين المحليين، وانطلقنا في رحلة بحرية قصيرة لرؤية شلالات دودان السفلي من زاوية لا يراها إلا القليلون. الماء ينهمر من ارتفاع 40 مترًا مباشرة في البحر، والرذاذ المنعش يلامس وجهك. كان مشهدًا سينمائيًا حقيقيًا. قال الصياد العجوز بابتسامة: "الناس تيجي تشوف الشلال من فوق، بس الجمال الحقيقي من هون، من البحر."





مذاق أنطاليا الأصيل: دروس طبخ من الجدات

"الطبخ مش بس أكل، الطبخ حكايات!" - هذا ما قالته عمة فاطمة، صاحبة مطعم صغير مخبأ في أزقة كاليتشي لا يعرفه السياح. المطعم لا يملك قائمة طعام، بل تطبخ فاطمة وزوجها ما يجلبونه من السوق كل يوم. جلست في المطبخ الصغير وتعلمت كيف تُحضر سلطة "البيياز" الأنطالية الأصيلة، المكونة من الفول المسلوق والفاصولياء البيضاء والطحينة المحضرة يدويًا. "السر في الطحينة"، همست فاطمة، "لازم تخلطيها بإيدك، الإيد بتحس بالطعم!"


الهروب إلى القرى: جبلي كوي وسحر البساطة

في آخر يوم لي، قرر أحمد أن يأخذني في رحلة "خارج الخريطة السياحية" إلى قرية جبلي كوي في جبال طوروس. الطريق كان رحلة بحد ذاته، حيث المناظر الجبلية الخلابة كانت تتغير مع كل منعطف.

وصلنا إلى القرية التي لا يسكنها سوى 200 شخص. استقبلني رئيس البلدية، وهو فلاح بسيط، وأصر أن أتناول الإفطار مع عائلته في حديقة منزله. كانت المائدة وليمة من البساطة: عسل من خلايا النحل في الجبل، جبن مصنوع من حليب الماعز، وخبز مخبوز في فرن حجري قديم. الأطفال لعبوا حولنا، والجدة كانت تحكي قصصًا عن القرية. كان مشهدًا من الحياة الحقيقية التي ستختفي قريبًا مع التطور الحديث.


الوداع الصعب: روح أنطاليا الحقيقية

عندما حان وقت المغادرة، أدركت أنني لم أقضِ يومًا واحدًا على شاطئ المنتجع، ولم أفتقد ذلك أبدًا. أنطاليا أعطتني أكثر مما توقعت، أعطتني قصصًا حقيقية، وصداقات صادقة، وذكريات لن أنساها. في المطار، قابلت سائحًا آخر يشكو من أن إجازته كانت مملة، "المنتجع كان جميلًا، لكن كل يوم كان مثل الذي قبله". ابتسمت وفكرت في كلمات محمد صاحب المقهى: أنطاليا فعلًا مثل امرأة ترتدي فستانين. أحدهما للضيوف المستعجلين، والآخر لمن يتوقف ليستمع لقصتها الحقيقية.

إذا قررتم زيارة أنطاليا يومًا ما، لا تكتفوا بالشاطئ والمنتجع. اخرجوا إلى الشوارع، تحدثوا مع الناس، توهوا في كاليتشي، تذوقوا الطعام في المطاعم الصغيرة، واجلسوا مع العائلات المحلية لتناول الشاي. أنطاليا ليست مجرد وجهة سياحية، إنها مدينة حية نابضة بالقصص والذكريات. وهي تنتظر من يأخذ الوقت الكافي ليكتشف روحها الحقيقية.

الاسمبريد إلكترونيرسالة