"الهواجيس": نسخة تركية بلا هوية ولا جهد إبداعي
يُعدّ فيلم "الهواجيس" (Takıntı) محاولة تركية لإعادة تقديم الفيلم الإسباني الشهير "TOC TOC" الذي حقق نجاحًا كبيرًا بفضل فكرته الذكية والمبتكرة. ففي حين أن الفكرة الأصلية التي تجمع مجموعة من الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية في عيادة واحدة تُعدّ نقطة انطلاق قوية، إلا أن التنفيذ التركي للفيلم جاء أضعف من أن يحمل هذه الفكرة بنجاح، مما أسفر عن نسخة بلا هوية ولا جهد إبداعي.
الفكرة الأساسية والتنفيذ
الفيلم الإسباني الأصلي "TOC TOC" تميز بتقديمه لتشخيص حقيقي، ساخر، وعميق لحالة الشخصيات. كل شخصية كانت تعاني من اضطراب واضح ومحدد بدقة، مثل الوسواس القهري (OCD)، التكرار، العدّ، أو وسواس النظافة. تم دمج هذه الحالات ببراعة ضمن سيناريو فني متوازن يجمع بين الكوميديا السوداء والدراما بشكل فعّال، مما أضفى على الفيلم عمقًا وبعدًا إنسانيًا.
في المقابل، لم يُبذل أي جهد في النسخة التركية لتحويل القصة لتتناسب مع البيئة الثقافية المحلية. بدا كل شيء مستوردًا كما هو، حتى الأسماء، التصرفات، وردود الفعل لا تنتمي للسياق التركي. هذا الافتقار إلى "التمحور" أو "localization" أفقد الفيلم هويته وأصالة.
السيناريو: استنساخ بلا روح
واجه الفيلم مشكلة رئيسية في السيناريو، حيث لم يُعد الكاتب كتابة النص بما يتناسب مع الجمهور التركي. بل اكتفى بالترجمة وتغيير اللغة فقط، دون محاولة تحويل الشخصيات لتتناسب مع طبيعة المتلقي المحلي. لم يُدخل أي بعد اجتماعي جديد أو نكهة محلية يمكن أن تضيف للفكرة الأصلية. كانت النتيجة نصًا مستنسخًا، بلا حياة، وبلا أي عنصر من عناصر الدهشة أو الإبهار. بدا وكأن المشاهد يرى نسخة مقلدة من عمل أصلي حي، مما أفقده أي قيمة فنية أو إبداعية.
الأداء التمثيلي والإخراج
كان الأداء التمثيلي في "الهواجيس" محدودًا، ليس بالضرورة بسبب ضعف الممثلين، بل لأن الشخصيات نفسها لم تُكتب بشكل جيد. لا يوجد عمق للشخصيات، ولا خلفيات، ولا مبررات نفسية واضحة لدوافعهم. هذا أدى إلى تقديم الممثلين لأدوارهم بشكل سطحي دون فهم عميق لدوافع الشخصيات أو معاناتها. حتى اللحظات الكوميدية لم تكن فعالة، فجاء الضحك من الفكرة الأصلية نفسها، وليس من الأداء التمثيلي أو الإخراج.
أما الإخراج فكان خجولًا ويعتمد بشكل كبير على لقطات داخل مكان واحد فقط: غرفة الانتظار. لم يحاول المخرج خلق أي تنوع بصري أو زوايا إبداعية، ولم يكن هناك استخدام فعال للإضاءة أو المؤثرات لخلق جو سينمائي. على الرغم من أن الميزانية قد تكون متواضعة، إلا أن الأهم هو أن الجهد الفني والإخراجي كان أيضًا متواضعًا، مما يؤثر على تجربة المشاهد الكلية.
الفارق مع النسخة الإسبانية وآراء الجمهور
تفوقت النسخة الإسبانية الأصلية في تعاملها مع المرض النفسي باحترام وتقديم توازن دقيق بين السخرية والواقعية. أما النسخة التركية، فقد وقعت في فخ التكرار والسطحية، بل تجاهلت أهمية بناء عالم خاص بالشخصيات ومعاناتها. وصف بعض النقاد الفيلم بأنه "نسخة مدرسية من سيناريو محترف"، وهو وصف دقيق للعمل.
لم تكن آراء الجمهور أفضل حالًا، فقد كانت التقييمات في المواقع المتخصصة سلبية. غالبية التعليقات انتقدت ضعف السيناريو وانعدام أي قيمة مضافة مقارنة بالنسخة الأصلية. حتى جمهور السينما التركية شعر بالغرابة من الأداء الذي لا ينتمي للسياق المحلي.
التقييم الفني العام والنتيجة النهائية
بالنظر إلى العناصر الفنية للفيلم، يمكن تلخيص التقييم كالتالي:
- القصة: مسروقة بلا تعديل.
- السيناريو: استنساخ ضعيف.
- التمثيل: محدود بسبب النص.
- الإخراج: خالٍ من الجرأة.
- الإنتاج: لا يحمل رؤية واضحة.
فيلم "الهواجيس" لا يُعتبر فيلمًا فنيًا يُذكر، بل مجرد محاولة تجارية باردة لإعادة تدوير فكرة ناجحة. لقد فشل الفيلم فشلًا ذريعًا في نقل روح الفكرة الأصلية، كما فشل في إقناع المشاهد بوجود أي قيمة فنية أو إبداعية تستحق الذكر. إنه مثال صارخ على ما يحدث عندما يُقدم عمل فني بدون قلب أو روح.
هل تعتقد أن مثل هذه التجارب الفنية التي تفتقر إلى الأصالة والإبداع تؤثر سلبًا على صناعة السينما المحلية؟