الحقيقة وراء "لابوبو": اللعبة التي قلبت الدنيا وأصابت الناس بالجنون!
في عالم أصبح فيه الترندات تظهر وتختفي بسرعة البرق، يبرز أحيانًا ظاهرة تتجاوز مجرد "الموضة العابرة" لتتحول إلى هوس جماعي يثير الفوضى والجنون. هذا ما حدث تمامًا مع "لابوبو" (Labubu)، اللعبة التي بدأت كإكسسوار بسيط يتعلق على الحقائب، لتتحول إلى سبب لتكسير السيارات وسرقة الحقائب، وتجعل الناس يصطفون لساعات طويلة قبل فجر اليوم للحصول عليها. إنها قصة غريبة عن كيف يمكن لدمية صغيرة بقيمة 20 دولارًا فقط أن تشعل جنونًا استهلاكيًا عالميًا، وتكشف عن آليات التسويق الذكية وعلم النفس البشري وراء هذه الظواهر.
من فكرة فنان إلى ظاهرة عالمية: أصل "لابوبو"
قد تبدو "لابوبو" ترندًا جديدًا، لكن شخصيتها تعود إلى أكثر من عشر سنوات مضت. ففي عام 2015، ابتكر الفنان "كيسين لونغ" (Kasing Lung) شخصية "لابوبو" كجزء من سلسلته الفنية والكتب التي تحمل اسم "ذا مونسترز" (The Monsters)، أو "الوحوش". استلهم لونغ فكرته من قصص الأطفال التي ترعرع عليها خلال فترة إقامته في هولندا. شكل "لابوبو" قد لا يروق للجميع؛ فبأسنانه الحادة وعينيه الكبيرتين نوعًا ما، قد يراه البعض لطيفًا و"كيوت"، بينما يراه آخرون مرعبًا. هذا التناقض في المظهر هو جزء من جاذبيته الغريبة.
في عام 2019، حصلت شركة الألعاب الصينية "بوب مارت" (Pop Mart)، المعروفة ببيع الألعاب الفنية النادرة والغالية، على ترخيص شخصية "لابوبو" من الفنان. بدأت الشركة بإنتاج سلسلة كاملة من ألعاب "لابوبو"، بما في ذلك النسخ التي يمكن تعليقها كإكسسوار على الحقائب. وعلى الرغم من وجودها في السوق منذ ست سنوات، إلا أن جنون "لابوبو" لم ينفجر إلا مؤخرًا.
الشرارة التي أشعلت الجنون: المشاهير و"الصناديق العمياء"
التحول الكبير في شعبية "لابوبو" حدث في عام 2024، عندما ظهرت المغنية "ليسا" (Lisa) من فرقة الفتيات الكورية الشهيرة "بلاك بينك" (BLACKPINK) وهي تعلق "لابوبو" على حقيبتها. ليسا، التي تتمتع بقاعدة جماهيرية ضخمة ومخلصة، كانت الشرارة التي أشعلت الهوس. بمجرد أن رآها معجبوها وهي تحمل "لابوبو"، انقضوا على اللعبة، وبدأ الطلب يتزايد بشكل جنوني. تبع ذلك ظهور مشاهير عالميين آخرين مثل "ريانا" و"كيم كارداشيان" وهم يعلقون "لابوبو" على حقائبهم في أبريل 2025، مما عزز من مكانتها كإكسسوار "لا بد منه".
لم تكتفِ "بوب مارت" بذلك، بل استخدمت استراتيجية تسويقية ذكية زادت من جنون الناس: "الصناديق العمياء" (Blind Boxes). يتم بيع كل قطعة "لابوبو" في علبة لا تكشف عن لون أو تصميم اللعبة بداخلها إلا بعد شرائها وفتحها. هذا العنصر من "المقامرة" أو "المفاجأة" أضاف طبقة من الإثارة والحماس. أصبح كل شخص متحمسًا لمعرفة اللون الذي سيحصل عليه، وإذا كان اللون الذي يتمناه، فإنه يشعر بسعادة غامرة. أما إذا لم يكن كذلك، أو إذا كان يرغب في جمع كل الألوان، فإنه يجد نفسه يشتري المزيد والمزيد من العلب، أحيانًا أكثر من ست علب، أو حتى أكثر بكثير إذا كان يسعى للحصول على "اللون النادر" الذي قد لا يظهر حتى بعد شراء مئة علبة.
انتشرت فيديوهات "فتح العلب" (Unboxing Videos) بشكل واسع على منصات مثل تيك توك، حيث يشارك الناس لحظات فتحهم لعلب "لابوبو". في البداية، قد يكون المشاهدون مجرد فضوليين لمعرفة الألوان التي تظهر، لكن مع تزايد هذه الفيديوهات، يجد الشخص نفسه مدفوعًا للرغبة في تجربة فتح العلب بنفسه، مما يغذي الترند ويزيد من انتشاره. هذه الفكرة تلعب على علم النفس البشري، حيث ينسى الناس أنفسهم في دوامة الشراء المتكرر، مدفوعين بالحماس والرغبة في "الفوز" باللون المطلوب.
فوضى في المتاجر وسوق سوداء مزدهرة:
وصل جنون "لابوبو" إلى مستويات غير مسبوقة، حيث خرج الترند عن السيطرة تمامًا. بدأ الناس يجمعون كل لون وكل نوع من اللعبة، ويشترون لها ملابس وشنط ونظارات خاصة، محولين "لابوبو" إلى دمية تتطلب إكسسوارات خاصة بها!
لكن الفوضى الحقيقية تجلت في محلات "بوب مارت" حول العالم، خاصة في أمريكا. على الرغم من وجود أحجام مختلفة من "لابوبو" (كبيرة، صغيرة للمفاتيح)، إلا أن الهوس الأكبر كان على الحجم المتوسط الذي يتعلق على الحقائب. زاد الهوس بسبب استراتيجية "بوب مارت" في طرح كميات قليلة جدًا من اللعبة مقارنة بالطلب الهائل. بدلاً من زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، استمرت الشركة في طرح كميات محدودة على فترات، أو حتى لفترة واحدة فقط، مما خلق شعورًا بالتوتر والندرة. هذا التكتيك يدفع الناس للشراء بسرعة ودون تفكير، حتى أولئك الذين لم يكونوا يرغبون في اللعبة في الأساس يجدون أنفسهم مضطرين لشرائها خوفًا من فوات الفرصة.
على الرغم من وجود 37 فرعًا لـ"بوب مارت" في أمريكا و52 آلة بيع ذاتية لـ"لابوبو"، إلا أن كل قطعة تُباع فور نزولها. الناس يصطفون في طوابير طويلة تبدأ من الساعة الخامسة فجرًا، وأحيانًا لا تتمكن المحلات من الفتح بسبب الحشود، وتضطر لإلغاء البيع تمامًا. تحدث مشاجرات بين الواقفين في الطوابير، والآلات الذاتية تحتاج إلى حراس أمن مسلحين عند تعبئتها، وكأنهم ينقلون أموالاً إلى بنك!
شراء "لابوبو" عبر الإنترنت من موقع "بوب مارت" يكاد يكون مستحيلًا، حيث تنفد الكميات في ثوانٍ. لذلك، تلجأ الشركة إلى بثوث مباشرة على تيك توك تستمر لساعات، ثم تعلن فجأة عن نزول كمية جديدة، مما يجبر الناس على المتابعة لساعات ليكونوا مستعدين للشراء فور الإعلان. هذا يخلق شعورًا بالفوز والإنجاز لمن يتمكن من الشراء.
السوق السوداء والتقليد: الجانب المظلم للجنون
هذا الهوس الهائل فتح الباب واسعًا أمام السوق السوداء. بدأ البعض بشراء "لابوبو" بكميات كبيرة لإعادة بيعها بأسعار خرافية على مواقع مثل "إيباي" (eBay)، تصل أحيانًا إلى 10 أو 20 ضعف السعر الأصلي. نعم، هناك من يبيع "لابوبو" بألف دولار، وهناك من يشتريها بهذا السعر! هذا أثار غضبًا واسعًا بين الناس الذين يرون أن هؤلاء المستغلين يحرمونهم من فرصة الحصول على اللعبة بسعرها العادي.
لم يقتصر الأمر على السوق السوداء، بل ظهرت أيضًا نسخ مقلدة من "لابوبو" تُسمى "لافوفو" (Laufu). المثير للضحك أن شكل "لافوفو" المقلدة غالبًا ما يكون أكثر رعبًا من الأصلية! وهناك فيديوهات كاملة تشرح كيفية التمييز بين "لابوبو" الأصلية و"لافوفو" المزيفة، ومع ذلك، يشتري البعض "لافوفو" وهم يعلمون أنها مقلدة، فقط ليكون لديهم واحدة.
لم يقتصر هذا الجنون على أمريكا؛ ففي إنجلترا، اصطف الناس في طوابير من منتصف الليل، ووقعت مشاجرات، لدرجة أن اللعبة "مُنعت من البلد" بسبب عدم قدرة الكبار على احترام أنفسهم والتشاجر على لعبة. والأسوأ من ذلك، أصبح الناس يخافون من تعليق "لابوبو" على حقائبهم خشية سرقتها. تخيل أن تُسرق حقيبة ليس من أجل محفظة أو هاتف، بل من أجل لعبة معلقة عليها! انتشرت الميمز المضحكة، وبدأ الناس ينشرون فيديوهات توضح كيفية تثبيت "لابوبو" بأمان على الحقيبة لمنع سرقتها، حتى أن البعض كسر زجاج سياراتهم لسرقة اللعبة.
النهاية: مجرد لعبة؟
"لابوبو" هي في النهاية مجرد لعبة بسيطة، وإذا كانت تسعد الناس، فلا يوجد اعتراض على ذلك. لكن الظاهرة التي خلقتها تكشف عن الكثير حول آليات التسويق التي تعتمد على الندرة والمفاجأة، وكيف يمكن لعلم النفس البردي أن يدفع الناس إلى سلوكيات غير عقلانية. الهوس الجماعي بـ"لابوبو" هو مثال حي على كيف يمكن لترند بسيط أن يتحول إلى فوضى، وتوتر، وخسارة للوقت والمال، ويخلق سوقًا سوداء مزدهرة.
من المؤكد أن هذا الترند سيموت بعد وقت قصير، تمامًا كما حدث مع "كاسات ستانلي" وغيرها من الظواهر الاستهلاكية. لكن قصة "لابوبو" ستبقى مثالًا على كيف يمكن لدمية صغيرة أن "تجنن الناس" وتقلب الدنيا رأسًا على عقب. فلننتظر ونرى ما هو الترند القادم الذي سيأسر عقولنا ويسبب الفوضى التالية.